الخميس، ١ نوفمبر ٢٠٠٧

دار الكتب المصرية

دار الكتب المصرية





محمود البدوى مع أصدقاء بدار الكتب المصرية


بعد أن أتم البدوى تعليمه الابتدائى جاء إلى القاهرة ليكمل تعليمه الثانوى والتحق بالمدرسة السعيدية بالجيزة .. وعرف طريقه إلى دار الكتب المصرية بباب الخلق ، فكان يقرأ ويطالع كيفما أحب وشاء من كتب السيرة ومن الأدب العربى القديم .

ويقول " وبهذا التوهج والحب للكتاب والأدب إنتقلنا من مرحلة الدراسة الابتدائية .. التى كانت المنبع لحب الكتاب إلى دار الكتب المصرية بباب الخلق لنتزود بالمعرفة وتتسع الآفاق فى البحث والدراسة "..

" كنت أذهب إلى دار الكتب .. لأنى أجد فى الدار مكانا هادئا للمطالعة والمذاكرة أحسن من البيت ، وكان قد أعد بها مكان جديد مريح سمى " مكتبة الطالب " يختار فيه الطالب الكتاب الذى يرغب فى مطالعته من صفوف الكتب التى حوله فى المكتبة حسب تصنيفها .. ويتناوله بيده دون الحاجة إلى كتابة استمارة وانتظار الكتاب من المخزن ، وفى سبع حالات من عشر يكون رد المخزن ــ لا يعار .. بالخارج .. به تمزيق ..

ورواية ماجدولين هى أول رواية قرأتها فى حياتى .. وأعجبت بعد قراءتها بالمنفلوطى إعجابا شديدا .. فقرأت جميع مؤلفاته .. المؤلف منها والمترجم ، وأنا أزداد إعجابا بالرجل وتعظيما له .

وكانت صورة المنفلوطى فى زيه الشرقى الجميل ووجاهته تتصدر المكتبات والصحف ، كان ملكا متوجا على عرش الأدب .

ثم وقع فى يدى كتاب الأغانى للأصفهانى بكل أجزائه ومن فرط متعتى وانبهارى بمحتوياته وأسلوبه وطريقة حكيه ، إنطلقت التهم كل أجزائه ، ثم أعود لأقرأها مرات أخرى ، وكان هذا الكتاب لا يفارقنى لفترة طويلة ، فقد أدخلنى عالما لا يقتصر على الأسلوب الأدبى وكثرة ما يحتويه من كنوز الشعر والحكمة والطرائف ولكنه يقدم لى أيضا العواطف والمشاعر والغرائز الطبيعية البشرية بكل أحوالها ومادة لا تنفذ من الحكايات والحوادث والوقائع ..

وبعد قراءة هذا الكتاب وجدت فى نفسى القدرة على التعبير القصصى ثم تزايدت العملية إتساعًا وامتدادًا مع التجارب والقراءة واتضاح معالم الاستعداد الذاتى بما يجعل العملية معقدة يصعب تحديد فواصلها ، ولكن لا يمكن أن أنسى أن كتاب الأغانى كان نقطة تحول كبيرة عندى وأنه يفضله ترسخ عندى اليقين بأننى سوف أكون كاتبا قصصيا ذات يوم ..

وقرأت ألف ليلة وليلة بالإنجليزية .. والمترجم مستشرق كبير .. وكنت أقرأ الكتاب بالعربية أولاً ثم أطويه وأبدأ بالنسخة الإنجليزية .. ووجدت نفسى بعد شهور قليلة أستغنى عن النص العربى .

وقرأت الأدب القديم والحديث .. ونوعت وسائل الاطلاع .. وساعدنى على ذلك ذهابى إلى دار الكتب يوميا .. قرأت فى دار الكتب مجلة البيان لعبد الرحمن البرقوقى وكان يكتب فيها محمد السباعى وعباس حافظ والعقاد والمازنى مقالات وترجمات عن أدب الغرب فى كل ألوان الأدب وفنونه .

ثم قرأت مؤلفات الزيات والمازنى والعقاد وتوفيق الحكيم وزكى مبارك وصادق الرافعى وطه حسين وعلى أدهم وسلامة موسى وحسين فوزى وشوقى وحافظ وطاهر لاشين وإبراهيم المصرى ويحيى حقى ومحمد تيمور ومحمود تيمور .

كما قرأت فى دار الكتب عيون الأخبار وصبح الأعشى .. والبيان والتبيين ودواوين المتنبى والبارودى وابن الرومى ومهيار .
وكانت الجلسة فى دار الكتب مريحة وتساعد على طول المكوث ونسيان المرء أوقات الطعام ..

وقد سهل علينا الاطلاع فى ذلك الوقت أن الدار كانت منتظمة ، وكانت تخرج الكتب للقراء بروحها وقلبها ..

ولكثرة ترددى أصبحت لى علاقة صداقة مع الملاحظين فى القاعة ، وكانوا يسهلون لى الحصول على الكتب ، كما إن قاعة المطالعة فى دار الكتب كانت مليئة بالمجلدات التى تسهل للإنسان القراءة دون كتابة الاستمارة وانتظار ورود الكتاب .

وكثيرا ما يقع المرء على جمال يفوق الوصف جاء مصادفة فى المقعد القريب أو البعيد .. جاءت زائرة تطلع أو مستشرقة تدرس وتطلع على المخطوطات ، وأنا أعشق الجمال وأحب أن أراه فى الطبيعة وفى الإنسان .

وفى دار الكتب تعلمت من الحكمة المسطرة بالخط الفارسى على الجدران .. كل كتاب تقرأ تستفد .. فكنت أقرأ كل كتاب يقع فى يدى ولو جاء خطئا من مخزن الدار .
كما تعلمت " وخير جليس فى الزمان كتاب "

أما الآداب الأجنبية فقد قرأت تشيكوف بهوس وتأثرت به جدًا ، وتأثرت أيضا بديستويفسكى وهو كاتب ليس له مثيل من ناحية الغوص فى أعمق أعماق النفس البشرية ، كما أعجبت جدا بمكسيم جوركى ككاتب عظيم خلق نفسه بيديه وعاش الحياة بطولها وعرضها .

أدب هؤلاء الثلاثة فيه الصدق والواقعية ويتعدى كل الحدود التى يفرضها النقاد ، وإليهم يرجع الفضل فى حرصى على إضاءة الشخصية الإنسانية من داخلها وليس من ظاهرها السطحى ، وذلك عن طريق الاهتمام بالانفعالات النفسية وتأثير الظواهر الخارجية على الأعماق .

تعقيب على قراءات محمود البدوى بدار الكتب :

احتفظ محمود البدوى بخمس دفاتر صغيرة فى مكتبه ، ولم تمتد إليهم يد عابث ، خلال تنقلاته من مسكن إلى آخر منذ جاء إلى القاهرة ، كتب على واحد منه عام 1929 والثانى عام 1943 والباقى بدون تاريخ ..

كتب فى ثلاث منهم عناوين الكتب التى قرأها فى الدار باللغتين العربية والإنجليزية وهى عن تاريخ الأدب وعن الرواية والقصة والفلسفة والتاريخ والطب والاجتماع ، والدفتران الآخران أحدهما كتب فيه مفردات لغوية وعنونه بعنوان "لغة" ، والثانى عنونه باسم « مختارات شعرية » وكتب فيه الكثير من أشعار المتنبى وابن الرومى والبحترى والمعرى .
===============

ليست هناك تعليقات: