الخميس، ١ نوفمبر ٢٠٠٧

ثقافة الأمس وأديب اليوم

ثقافة الأمس وأديب اليوم

يقول البدوى :" الثقافة التى كانت موجودة فى الثلاثينيات والأربعينات كانت ثقافة مزدهرة .. وهى السبب فى وجود المنفلوطى والعقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم وأحمد لطفى السيد .. وهذه الثقافة كانت مزدهرة نتيجة العناية الجدية المطلقة بالكتاب " .

و" أديب الأمس ولظروف الحياة المادية نفسها فى ذلك الوقت .. كان روحيا مخلصا للأدب .. وروحه متشربه لحبه إلى درجة التضحية " . ولقد عاصرت الأدب الزاهر الذى كانت تسوده روح التضحية خصوصا عند مصطفى صادق الرافعى ، المازنى ، العقاد ، أحمد أمين ، الزيات.. أنا شخصيا وجدت الزيات كان يعطى كبار كتابنا فى ذلك الوقت " العقاد " و" طه حسين " خمس جنيهات ثمنا للمقالة .. وروح التضحية برزت واضحة فى لجنة التأليف والترجمة والنشر .. كانوا فى حارة " الهدارة " فى عابدين .. فى بناء متهالك .. يخرجون ويطبعون مجلة الثقافة متكاملة طباعة وفنا أدبيا ، ويأتيهم نظير هذا العمل أى ربح مادى يوزع عليهم .. بل كانت التضحية متضامنة .. وروح حب الأدب للأدب كان متغلغلا فى كل نفس تكتب فى هذه المجلة .

كانت هناك مجلة للشيخ " البرقوقى " اسمها " الأديب " هذا الرجل كان يخرج المجلة وحده على نفقته الخاصة .. وكانت من أبرز وأحسن المجلات فى ذلك الوقت .. جمعت "المازنى والعقاد وصادق الرافعى وزكى مبارك" وهذا الشخص يعبر بشخصه ومجلته عن التضحية الكبرى التى لا مثيل لها للأدب البحت الخالص ".

" كان العصر كله عصر أدب خالص يتغلغل فى النفوس ويملك الأفئدة .. ويسيطر على المشاعر .. ففى هذا العصر الذهبى للأدب كان من المحامين والقضاة والأطباء والموظفين ، من يملك ناصية البلاغة فى خطبة ومذكراته ومقالاته ، وكانوا يضمنون كتاباتهم وكلامهم الآيات القرآنية وخطب بلغاء العرب .. كسحبان .. والحجاج .. وزيادة ..

ومنهم من كان يعرف من كتب التراث ما لا يعرفه الدارسون لها الآن .. والمتخصصون فى هذا الباب ..

" أما جيل اليوم من الأدباء .. لا يقرأون مثل من ذكرنا من الأدباء السالفين .. فتسعة أعشارهم لا يعرفون أدب التراث .. ولم يفتحوا فى حياتهم سطرا " للأغانى " للأصفهانى أو "صبح الأعشى" أو " عيون الأخبار " أو حتى "كليلة ودمنة" أو " الأمالى " ولا يمكن أن يخرج أديب ممسكا بالقلم ما لم يقرأ بعض هذه الكتب .. والقراءة الأدبية معدومة .. قل منهم من يجيد الإنجليزية والفرنسية لضعف هذه اللغات فى المدارس والجامعات بعد خروج الإنجليز من التدريس والفرنسيين والألمان .. وهم يقرأون لبعض وتجد صورة تكرار واضحة بوضوح مطلق .. يكررون بعضهم البعض .. ولكنى لا أنكر أنه يوجد منهم من طور الرواية والقصة .. ودرس بجهده الشخصى الكثير من الأدب العالمى واطلع عليه .. حبهم الطاغى للشهرة يجعلهم لا يتأنون فى كتاباتهم .. وليس عندهم الصبر للمداومة وتحمل المشقة التى يعانيها الفنان .. ويجرون بسرعة رهيبة إلى الحوادث الجارية فى الصحف .. كسقوط العمارات المشيدة حديثا .. والغش فى المواد الغذائية .. ومثل هذا أزمة المساكن وأزمة الطعام .

ومثل هذه الأشياء لا تعيش إلا فى جوها .. أقصد القصص .. وعاش "شكسبير" ومازلنا نقرأ له وسنظل نقرأ له .. لأنه عالج الموضوعات الإنسانية البحتة .. الحب .. الكراهية .. الخيانة وطبع المرأة فى كل العصور .. فهذه الأشياء خالدة ، فتظل تقرأ عنها وتقرأ لكاتبها .. ومثله عاش " ديستويفسكى " لأنه عالج الموضوعات الإنسانية البحتة .. عالج " الجريمة والعقاب " إلى درجة أنه قال "إن المجرم يعود إلى مكان الجريمة" وقد أصبحت هذه نظرية علمية فى علم الإجرام ، وعالجها الإيطالى " لامبروزو " بعده بخمسين سنة .. فالأديب الشفاف يتنبأ دائمًا .

" الثورة أحيطت بنفر قوى جدا من المنتفعين .. والمنتفع دائما يحب أن يتحرك فى الظلام .. فأول شىء يقومه .. هو الشخص المتنور والمتعلم الذى يأتيه هذا من الثقافة .

هو يعيش فى الظلام ليتضخم ويزداد انتفاعه .. والشعارات التى يرفعها تدخل فى عقول الجهلاء والبلهاء .. عمر ما كان المثقف يقبل هذه الشعارات ويهضمها .. فهى موجة طبيعية لطمس النور من عقول الناس .. ليقبل هزيمة 1967 ونسميها له نكسة .. هذه هزيمة .. هزيمة .. والجيش لم يحارب .. والتفكك وسوء الإدارة كانا واضحين لكل من له دراية بفنون الحرب .. فكيف تقول هذا نكسة ؟ وكيف يتقبل ذلك إلا من كان مطموس العقل ..

فموجة حب الأدب أيام الاستعمار الإنجليزى لم يستطيعوا مقاومتها ، كانت أكبر وأقوى منهم وصراع الفكر رهيب .
الفرق واضح جدا ، لم يستطع الاستعمار بكل جبروته أن يطمس روح الأدب وفنونه من أذهان الشعب .. لأن هذا كان فى صميم القلب .. أما المنتفعون والإنتهازيون للثورة استطاعوا ذلك ".

" إذا حلمنا بأحلام اليقظة ، وأصبح يوجد فى كل بيت مكتبة بالنسبة إلى مصر والعالم العربى ، وإذا حلمنا بأحلام اليقظة وأصبحت القصائد تنشر فى الصفحات الأولى من الجرائد ، مثلما كانت قصائد شوقى تنشر فى الصفحة الأولى من جريدة " البلاغ " وتدفع بتوزيع النسخ المطبوعة كلها من الجريدة فى مدى ربع ساعة ، وإذا حلمنا بأحلام اليقظة وأصبح لمقالات الكتاب من الفعالية ما كان لمقالات سلامة موسى وإبراهيم عبد القادر المازنى وزكى مبارك من دوى أدبى ، عندئذ يمكن أن نطمئن إلى الجو الأدبى ".
============

ليست هناك تعليقات: