الخميس، ١ نوفمبر ٢٠٠٧

الرحلة إلى أوربا الشرقية عام 1934

الرحلة الأولى إلى أوربا الشرقية
عام 1934 ورواية الرحيل














زار البدوى أوربا الشرقية على نفقته الخاصة ولم يكن يفكر فى كتابة قصص عنها، ولكن أهلها أثروا فى عقله ووجدانه وتحركت مشاعره ووجد نفسه فى حالة انفعال ويزخر رأسه بمئات الأحداث الصغيرة والكبيرة ، فأخرج دفترا صغيرا من جيب سترته وسجل فيه ملاحظاته قبل أن تنمحى من ذاكرته وتضيع منه ، وحينما عاد إلى مصر استعرض فى ذهنه صور الحادثات التى مرت به فى رحلاته وشغلت جانبا من تفكيره ووقته فأخرجها على الورق فارتاح ذهنه وصفيت نفسه ..

* * *

مثال عن بعض الملاحظات التى سجلها بالدفتر الصغير عن الرحلة :

الإسكندرية ــ الوداع فى الباخرة ــ فى عرض البحر ــ الأسى وقليل من الوحشة ــ الركاب ــ الليل والموج ــ السامر على ظهر الباخرة ــ شقراوات ــ النوم ــ اليقظة واستقبال الشمس ــ غروب الشمس ــ السحاب والليل ــ الجزر ــ بيريه ــ الوصول إلى أثينا ــ محطة أثينا ــ الآثار خلال الطريق ــ اليونانى فى الحان ــ اليونانيات ــ الطلبة التشكسلوفاكيين فى الباخرة ورحلتهم إلى القطر المصرى ــ 22 قرش الواحد إلى أسوان شهران ــ الطالبات التشكسلوفاكيات الراكبات من أثينا والذاهبات إلى بلادهن ــ الأنس بالحديث معهن ــ الزواج ــ العناوين ......

* * *

الاقلاع فى عرض البحر ــ جبال ــ غروب الشمس ــ سحب جميلة ــ فتنة الطبيعة ــ الدردنيل ــ البوليس التركى ــ سحب الباخرة عند بدء مرمرة ــ الجندى التركى يرتل القرآن .
الآستانة ــ منظر عام الضواحى ــ النزول ــ الطعام ــ المعيشة ــ أيا صوفيا ــ فى الترام .
الإقلاع ــ البسفور أبدع ما صور الله .

* * *

كونستنزا
ـــــــــــــــ
الجمرك ــ العربات ــ أول حمال ــ الفنادق ــ فندق النزول ــ الخادمات ــ بلاج مامايا ــ الصور على الشاطئ ــ عيون جميلة .
فى الفندق ــ آه أنت تعب ــ النوم .

* * *

إلى بوخارست
ــــــــــــــــــــــ
الليل ــ المطر فى بوخارست ــ المدينة ــ طريق النصر ــ حديقة كارول ــ الخادمة فى الفندق ــ الغريزة الجنسية ــ المطر .
اليوم التالى ــ صحو ــ مكتبة ــ شراء كتب لأسكار وايلد ولورنس وجويس والبحث عن مجلة .... والحديث مع الآنسة ... المطاعم ــ النساء فى الشارع ــ الغرف المفروشة ــ طبع الرجال تغلب عليه الغلظة .

* * *
العودة إلى كونستنزا
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
فى القطار ــ جاره ــ المقعد غير مريح ــ استبداله ــ تنازلى عن مقعدى لسيدة والحديث معها ــ استغلال العطف .
المراعى ــ قطعان البقر ــ القمح ــ الفلاحين فى الحقول ــ الأجران ــ كثرة العشب ــ المراعى ــ خصوبة الأرض ــ القرى فى الجبل ــ الدانوب ــ ملك الأنهار ــ غروب الشمس فى الجبل .
منظر السحب فى كونستنزا ساعة الغروب ــ المنظر من فندق بالاس ــ الفنانون يرسمون لوحًا لمنظر الغروب ــ الإنجليزيان فى المطعم ــ حديث الرومانى معهما ــ فى المطعم تأكل بعينيك وقلبك وفمك وأذنيك ــ بائعة الفاكهة والعربجى .

* * *

فى الكازينو
ـــــــــــــــــ
وصف الكازينو ــ الموسيقى ــ الروليت ــ القبعة وما تكلف من مصاريف ــ المقامرون ــ السيدة الجميلة فى المطعم ... الحديث مع القطة ــ الصور الزيتية فى الكازينو ــ صورة صيادوا الدانوب .

* * *

ويقول البدوى

" وبعد رحلة طويلة إلى أوربا الشرقية على باخرة رومانية قبل الحرب العالمية الثانية ، بدأت من الإسكندرية إلى اليونان ثم تركيا وإلى رومانيا والمجر عبر نهر الدانوب ، كان العالم يعانى من الكساد ومن أزمة اقتصادية طاحنة والرخص الشديد يعم الآفاق .. وعلى الظهر " الدك " بسبعة جنيهات مصرية ذهابا وإيابا .. ولكن لم أنم على الظهر فقد استأجرت قمرة بحار فى السفينة بجنيهين طوال الرحلة .. وكنت أنزل إلى القاع وأختلط بالبحارة والوقادين وهم يجرفون الفحم إلى نار السفينة، ( كانت السفن وقتها تتحرك آلاتها بالفحم ) ويقصون حياتهم فى البحار والموانى ..

وعدت من هذه الرحلة متفتح المشاعر للكتابة ، ووجدت فى نفسى القدرة على التأليف وانقطعت عن الترجمة ، فكتبت رواية قصيرة باسم "الرحيل" "وهى قصة شاب على ظهر مركب يبحر من الإسكندرية إلى البسفور ، يحكى فيها انطباعاته عن البلاد التى زارها" . وطبعتها فى عام 1935 على نفقتى الخاصة ، وعلى ورق " رومان " أغلى أنواع الورق فى مطبعة الرحمانية بالخرنفش ، ولم يتجاوز طبع القصة الجنيهات العشرة ، وبعد هذا أخذ ذهنى يفكر .. ويشغل بتأليف القصص "

و" أحب بطبعى الريفى السماحة والنخوة والكرم والشهامة التى ألاقيها من الغريب ، وهذه النخوة وجدتها فى أوربا الشرقية ، عندما زرتها وأنا شاب فى الخامسة والعشرين ، وهى السن التى بدأت فيها الكتابة والنشر ، وأنا هنا لا أتحدث عن الأدب الإبداعى ، ولكنى أتحدث عن أدب الحياة ، عن الناس العاديين الذين يعملون فى معترك الحياة ، إن اللحظة التى شاهدت فيها موظفة فى محطة السكة الحديد شابين يرتعشان بالخارج من البرد والثلوج تتساقط عليهما ، فخرجت من مكانها الدافئ ، وأدخلتهما فى غرفة الانتظار بالمحطة المخصصة لكبار الزوار .. هذه اللحظة فيها لمسة إنسانية من الموظفة ، وفيها شهامة يبقى أثرها فى النفس ، كما أنها دليل على الروح الإنسانية الشجاعة فى أعماقها التى جعلتها لا تخضع للقوانين " ..

* * *

ويقول نعمان عاشور تحت عنوان محمود البدوى فى الميزان المنشور بمجلة التحرير فى 3/3/1959 :
" واصطدم بعقبة النشر ولكنه قاوم ولم ييأس ، وكانت أمنيته فى ذلك الوقت أن تدخل القصة المصرية إلى كل بيت وإلى كل جيب وأن يكون ذلك عن طريق إصدار مسلسلة للقصة تصدر كل شهر ويكتبها القصاصون المصريون ، واختار لهذه المسلسلة عنوانا هو "مكتبه الجيب" فكان أول من استخدم عبارة الجيب فى صحافتنا وأدبنا " .

==================

ليست هناك تعليقات: