الخميس، ١ نوفمبر ٢٠٠٧

القصة القصيرة

القصة القصيرة

القصة القصيرة فى نظر البدوى .. "ملمح إنسانى يجتمع فيها روح الجذب والكفاية الذاتية ، تقرأها وتكتفى بها كما تكتفى برواية طويلة .

إن القصة القصيرة إذا كتبتها بروحانية وجاذبية وخلقت منها شيئا حيا يتحرك ، فإنها تغنى عن الرواية " .
" القصة يجب أن يكون فيها روح ، ويجب أن تكون لحظة التنوير فيها واضحة ، ويجب أن تتمتع القصة بخاصية التركيز ، وأن يبتعد كاتبها عن الاستطراد أو الإسهاب وكثرة الوصف ، ويجب ألا أقرأ القصة الجديدة فلا أكاد أميز بينها وبين المقالة .

والقصة القصيرة الناضجة هى التى تجذبك من سطورها الثلاثة الأولى ، وهى التى تعيد قراءتها مرة ومرات من غير ملل ، فنحن الآن نقرأ تشيكوف للمرة الألف ولا نكاد نمل منه .

والمبادئ والمواصفات التى يدعو إليها أساتذة الأدب فى الجامعات يجب ألا تسيطر على ذهن الفنان وهو يكتب ، فأنا أكتب القصة بعفوية وأكتب بواقعية .

وهناك أستاذ جامعى وضع للقصة القصيرة 18 قاعدة ولكنه للأسف الشديد لم يكتب قصة قصيرة واحدة ناجحة لأن القاعدة كانت فى رأسه وهو يكتب "

" أستطيع أن أقول إن القصة القصيرة التى كتبتها على إيجازها كان يمكن أن أكتبها فى ثلاثة فصول بدلاً من عدة صفحات ، فبدلاً من أن أسترسل فى محاسن المرأة ، على سبيل المثال ، فأسهب فى شعرها وقدها وهيئتها إلى غير ذلك ، أستطيع أن أرمى السهم مباشرة فأقول إنها "جميلة" وهو ما أستطيع أن أقوله حين أسهب فى تفاصيل الجو فأختصر بأنه "بارد" وحسب .. وأستطيع ببقية تفصيلات القصة أن أمزج قدرًا كبيرًا من الدلالة التى تشير إلى الجو أو تؤكد درجته .. "

والشخصية المصرية فى قصصى لم تتغير قط .. وهى دلالة طيبة على الطيبة ، إلى درجة البلاهة أحيانا ثم التمسك بالقيم .
وفى كل قصصى أسعى إلى الحقيقة والجمال .. وأكره القبح فى كل مظاهره .. القبح فى الشكل .. القبح فى الخلق .. القبح فى الطباع .. وليست هناك مبالغة أن كل أنثى فى قصصى فهى جميلة أولاً .. ولا أكون مغرورًا إذا قلت لك أننى أحببت القصة القصيرة وطورتها .. وأنا أركز على الشخص الواحد لأبرز للقارئ جميع طباعه، وليكون أسهل عند القارئ للفهم . ولا أنكر عنصر التشويق فى قصصى وبعض الأحيان الإثارة .

وأظن أن من يقرأ لى أول قصة كتبتها فى حياتى كمن يقرأ لى الآن آخر قصة .. فأنا أعالج فى قصصى صنفا معينا من البشر .. أكتب عن الناس المظلومين فى الحياة .. دائما أكتب عن هؤلاء الناس .. ولا أكتب قط من فراغ وإنما أكتب من الواقع وعن الناس الذين عاشرتهم وعشت معهم ، وأشعر بعد كتابة القصة براحة نفسانية لا حد لها ".

" لا أكتب القصة للفلسفة ولا لأنشر مذهبا اجتماعيا معينا ، إنما أكتب بوحى السليقة والإحساس بالقيم الأخلاقية متمكن منى لأقصى حد ، وليس معنى هذا أننى واعظ أو أرتقى المنابر ، أبدا ، إنما معناه أنى أصور الناس بخيرهم وشرهم ".

" وما أعبر عنه فى القصة الطويلة بالتطويل والإفاضة ، أستطيع أن أعبر عنه فى القصة القصيرة بتركيز وإيجاز .. والقصة القصيرة لمحة خاطفة من الحياة ، وقلقى عليها وإنفعالى بها يجعلانى أحرص على تسجيلها على التو .. خشية أن تفلت من دائرة تفكيرى إلى الأبد ، فكل يوم أحيا وأعايش صورة جديدة .."

" لا أسطر القصة على الورق إلا بعد أن تكون قد نضجت تماما فى رأسى واكتملت بكل حوادثها وشخصياتها ، وأجد مشقة فى اختيار الأسماء .. والاسم عندى يجب أن يكون مطابقا للشخصية ، فلا أسمى مثلا قاطع طريق مختار .. أو رؤوف .. أو لطفى ".

" أعتبر أن ما يكتبه الأديب فى القصة القصيرة يمكن أن يكون كافيا وضامنا لرواية طويلة من ألف صفحة" والرواية الوحيدة التى كتبتها وهى "الرحيل" تناولت رحلة بحرية لى بين عدة دول ولم أكرر التجربة ، فإنى لا أستريح إلى الرواية كشكل فنى " . " وكل ما أستطيع أن أقدمه من أفكار قدمته فى القصة القصيرة وهى تغنينى عن كتابة الرواية .

" لم أدرس إطلاقا قواعد القصة القصيرة على يد أحد ، ولكن قرأت فيها ، وترجمت لأساتذة القصة القصيرة فى الغرب ، وترجمت لتشيكوف وموباسان وجوركى فى السنوات الأولى من صدور مجلة الرسالة ، ومن هؤلاء الأساتذة تعلمت الشكل (الفورم) ثم أنى بطبعى أميل إلى الواقع ولا أكتب من فراغ بل من صميم الواقع ".

" لا بد من وجود الهيكل العظمى .. فأنا أكتب عن المدن التى عشت فيها وزرتها .. ولابد من الصدق ، لأن الصدق هو الشىء الوحيد الذى يعيش .."

" اخترت هذا الطريق لنفسى .. رغم ما فيه من متاعب ومشقة .. لا أحب أن أغيره .. أشعر بعد كتابة القصة براحة وجدانية لا مثيل لها .. رغم ما لاقيته فى حياتى من صعاب ومشقة بسبب الأدب والتفرغ للقصة .. فأشعر فى أعماق نفسى بالرضا والقناعة .. لم أفكر إطلاقا وأنا أكتب لا فى خلود ولا فى ذكرى ولا فى أى شىء من أحلام اليقظة .. لكن أعتبر أننى حققت بجهدى المتواضع شيئا .. لا بد أن يعيش ما عاش الأدب فى محيطنا العربى .. والشىء الذى يسعدنى أكثر .. أنه رغم أن كل وسائل الإعلام أغفلتنى عن عمد وقصد .. وكل النقاد الذين تخصصوا فى هذا النوع من النقد .. رغم أنهم أغفلونى عن عمد .. وأن بعض المحررين فى الصفحة عندما كان يرد اسمى على لسان غيرى كقصاص كانوا يحذفونه .. رغم كل هذا فإنى وكما قلت حققت لنفسى ما سيعيش ما عاش الأدب فى الساحة العربية .. ليس كل الكتب .. ولكن القليل من هذه الكتب يكفينى .. كما يكفى ديستوفيسكى أنه كتب الجريمة والعقاب ، وتشيكوف أنه كتب بستان الكرز .. والجاحظ أنه كتب البخلاء ، وابن المقفع أنه كتب كليلة ودمنة ، والأصفهانى أنه كتب الأغانى .. كل هذه الكتب فيها الصدق والحياة .. وبالحياة والصدق عاشت .
==============

ليست هناك تعليقات: