الخميس، ١ نوفمبر ٢٠٠٧

مجلة كليوباترا


مجلة كليوباترا


كان محمود البدوى ومجموعة من الأصدقاء بالحسين وبعد العشاء إفترق كل منهم إلى حاله .. ورأى أن يذهب إلى بيته ماشيا يستمتع بقاهرة المعز الجميلة فى هدأة الليل .. ويقول "كنت أسكن فى شارع قدرى بالسيدة .. فرأيت أن أمشى من الغورية إلى المغربلين ثم اخترق شارع محمد على إلى الحلمية الجديدة ومنها إلى شارع قدرى .

وكان رأسى يشتعل بقصة رأيت أن أكمل خطوطها فى رأسى وأنا سائر فى الليل قبل تسطيرها على الورق .. ويسهل على ذهنى ذلك وأنا أسير وحدى .. وفى الصباح بدأت فى كتابة القصة ، وكان الجو حارًا بالغ الحد فى حرارته .. ومع ذلك واصلت الكتابة لأن القصة كانت تجربة قاسية فى عربة من عربات الموتى فى الليل والظلام والوحشة والكآبة .

وكانت الكآبة تلفنى وأنا أكتب .. فحاولت التخلص منها بالكتابة ولهذا واصلت العمل حتى الساعة الثالثة بعد الظهر ...
وسمعت وأنا أكتب نقرا على الباب .. فتحركت إليه .. وفتحته ..

ووجدت عاشور عليش على الباب .. وكانت هذه أول زيارة له .. واللقاء الثانى بيننا .. ودخلنا إلى المكتب .. ووجدنى أكتب ..
فسألنى :
ــ قصة جديدة ..؟
ــ أجل !
ــ وأنا جاى عاوز قصة .

وفهمت من عاشور أن جريدة يومية كبرى .. تريد أن تخرج مجلة إسبوعية على غرار مجلة آخر ساعة .. وعهدت إليه مع صحفى آخر بجمع مواد هذه المجلة الجديدة وإخراجها ..
وسألته :
وما اسم هذه المجلة الجديدة ..؟
ــ كليوباترا
ــ ومتى ستصدر ..؟
ــ فى أول الشهر ..
ــ هكذا بسرعة .... انتهى الأمر إلى هذا ...

وأنا لا أحب أن تقلد مجلة أخرى .. والمجلات التى خرجت لتقلد من قبلها .. لم تعش طويلا وماتت .

وأعطيته بعد يومين القصة التى كنت أكتبها .. وصدرت المجلة ونشرت القصة برسم جميل يعبر عنها .. ولكنى شعرت بغصة فى حلقى وأنا أقرأ الجزء الأخير منها .. فقد حدث خلط فى الجمع والتوضيب .. تقدمت فقرات من القصة على فقرات ..

وأصبحت القصة فى نظرى غير مفهومة .. ولكن هذه الحساسية الشديدة نحو القصة لم يلاحظها سواى لأنى المؤلف .. أما القراء وحتى عاشور .. الذى اعتاد على مثل هذا الخلط .. لم يلاحظ شيئا ذا بال غير من صلب القصة .. أما أنا فقد بقيت مرتاعًا إلى أن نشرت القصة على وجهها الصحيح فى كتاب " العربة الأخيرة " .

وكنت بالإسكندرية يوم صدر العدد الأول من مجلة كليوباترا الذى نشرت فيه القصة ، وقابلت هناك مصادفة فى محطة الرمل المرحومين هلال وغريب .. ولم يلاحظا سرورى بالقصة .

وقال غريب لهلال :
ــ محمود هكذا أبدا .. لا يدرك الجيد الذى يكتبه قط وقد يعجب بأقل القصص قدرا .. ولكن الجيد المميز لا يدركه أبدا .. ويظل فى وسواسه ..

وكان حقا ما يقول .. فما أعجبت بشىء كتبته قط .. وقد يأتى الإعجاب عرضا لفترة قصيرة ثم يذهب لأن القصة كتبت فى جو كنت أحبه .. أو أن أشخاص القصة لهم أثر فى نفسى .. وتريحنى القصة بعد كتابتها ونشرها راحة نفسية مطلقة ، ثم ما يلبث أن يعاودنى القلق مما أحس فيها من قصور ونقص لم أدركه ساعة الكتابة وقبل النشر وأظل فى هذه الدوامة المعذبة أدور .. وأدور " .
============

ليست هناك تعليقات: