الخميس، ١ نوفمبر ٢٠٠٧

مجلة العروسة


مجلة العروسة

فى بداية عام 1938 كان البدوى جالسا فى قهوة بور فؤاد مع الأديب هلال شتا ويعمل فى مجلس النواب ، والشاعرين إبراهيم طلعت وفتحى مرسى وهما من الصحبة المختارة له فى مجلة الرسالة .. وفى عقولهم أحلام الصبا والتفتح والخلود الأدبى ، وكان الجو فى مصر يوحى كله بالتفتح الأدبى .

ويقول :
" لا أدرى كيف وقع علينا الأخ " طلبة " الاسم مستعار .. ومن أى كوكب هبط .. وكان الأخ طلبه يعمل مندوبا للإعلانات فى الصحف المصرية وكان كثير الحركة دؤوبا متنقلا يقع على فريسته من أول جولة .. وكنا فى مجلسنا فى مقهى بور فؤاد .. عندما جاءنا ذات مساء وقال لنا إن دار اللطائف قررت إعادة إصدار مجلة العروسة بعد إحتجابها الطويل وعهدت إليه هو أن يختار هيئة التحرير ..

وقد اختارنا وهو على يقين بأننا لن نرفض هذه الفرصة الذهبية .. وعودتها محررة بأقلامنا ستكون إنتصارًا لنا ونحن فى بواكير الشباب ، ويعرف أننا جميعا من أدباء الشباب المشتعلين حماسة للكتابة والنشر .. وفينا شاعران .. فتحى مرسى .. وإبراهيم طلعت .. وأديبان .. هلال شتا وأنا ..

ووافقنا نحن الأربعة على العرض من أول جلسة فى المقهى ولم نحدد الأجر.. ولكنا اشترطنا شرطا قاطعا وهو أن لا يتدخل أحد فى الدار مهما تكن صفته فى تحرير المجلة .. ووافقوا على ذلك .

وفى مساء اليوم التالى إجتمعنا وذهبنا إلى الدار .. وكانت فى عمارة بباب اللوق بجوار محطة حلوان .. وصعدنا إلى مقر المجلة .

وكان المقر جميل التنسيق ونظيفا والحجرات واسعة والمكاتب أنيقة ولاحظنا لافتات بصيغة الأمر على الحوائط والأبواب .. لا تدخن فى المصعد .. لا تفتح باب المصعد أثناء حركته .. إضغط على الزر هكذا .. لا تشد السيفون بعد الساعة .. وكثير غير ذلك من الأوامر والمحظورات ..

ولما كان مقر المجلة نظيفا ومرتبا ورائع التنسيق فإن هذه اللافتات لم تضرنا فى شىء .. وإن أضحكتنا .. ولكن أثرها كان واضحًا وبارز النتيجة ، فدور الصحف التى دخلناها قبل هذه الدار كانت مثالاً للفوضى وسوء النظام ، فالمطبوعات ملقاة على الأرض ، والمكاتب يعلوها الغبار ، والنوافذ والأبواب فى غاية القذارة .. فلماذا نضحك على النظام ..؟

وبدأ العمل من جانبنا فى إخراج المجلة وتحريرها .. وكان عندهم فى الأرشيف مجموعة طيبة من الصور .. فأخذنا نختار ما يلائم العروسة .. وبرز التجديد والابتكار واضحين فى طريقة عرض الصور وفى التحرير .

وكنا نشترى المجلات الأجنبية من القروش التى فى جيوبنا علاوة على المجلات التى عندهم وما أكثرها .. لنتخذ منها المثل .. ولنثبت وجودنا كمحررين مجددين نحمل الذوق الفطرى إلى التجويد والتطور ..

واخترنا الموضوعات السهلة وترجمنا الجيد السهل مما يهم المرأة فى زينتها وحياتها اليومية ..
وصدر العدد الأول .. وكان من الأعداد الجميلة .

وكان العدد الثانى معدا .. ولكنا إشترطنا أن نتفق على الأجر وأن نقبض ثمن العدد الأول قبل صدور العدد الثانى .. وحدثنا مندوب الإعلان بذلك ونحن فى مكاننا من المقهى .. ورأى الإصرار فى وجوهنا ، فغاب عنا يومين وفى اليوم الثالث دس فى يد أحدنا ظرفا مغلقا وشرب القهوة وخرج .. ولما بارح المقهى فتحنا الظرف وإذا بداخله ورقة واحدة بخمسين قرشا .. وبهتنا .. ولكنا ضحكنا بعد المفاجأة كثيرا.

فقد خدعنا الملعون بنذالة ، وأخذنا نفكر فى تقسيم المبلغ .. ورأينا أن نعطيه لمن يدخن منا نحن الأربعة .. ولما أدركوا أننى سأصبح المظلوم الوحيد .. عدلوا عن ذلك وتعشينا بالمبلغ من كباب الحسين وشربنا الشاى وفاض منه فيض تصدقنا به .. وافترقنا بعد العشاء .

ليست هناك تعليقات: