الخميس، ١ نوفمبر ٢٠٠٧

صحيفة أخبار اليوم


صحيفة أخبار اليوم

أول قصة تنشر للبدوى فى جريدة أخبار اليوم كانت بالعدد 109 بتاريخ 7/12/1946 تحت اسم " الشيخ عمران " وكتبها فى مقهى سفنكس الذى كان موجودًا أمام سينما راديو فى مكان ملىء بالحركة وحوله الناس . وكما يقول .. " لا أكاد أحس بما حولى من صخب فى المقهى الذى أجلس لأكتب فيه ، كلعب الطاولة .. أو الأصوات المرتفعة " فكلها تنفصل عنه فى لحظة الإبداع ، ويكتب على ورقة بيضاء وغير مسطرة ، وبالقلم الرصاص لأنه كثير التنقيح .

وعن ظروف كتابتها ونشرها .. يقول البدوى "تعودت على الكتابة فى المقهى .. ومن هناك يجىء الوحى .. وأشرع فى الكتابة بعد أن تكون القصة قد اكتملت فى رأسى تماما .. ولا بد أن يكون المكان مفتوحًا على الطريق .. لأشاهد منه المارة .. ولا أستطيع أن أكتب فى مكان مغلق كلمة واحدة ..
ولا بد أن تكون الشخصية صورة من شخصية التقيت بها وعشت معها .. وقد أغير وأبدل ولكن فى أقل الحدود .

وقد توحى إلىّ قصة قرأتها لتشيكوف أو غوركى أو ستويفسكى أو هيمنجواى أو موبسان بقصة .. ثم قصة .. ولكن لا بد أن يكون الجو قد لمسته وعرفته .. والشخصية قد التقيت بمثلها فى الحياة .. وقد يذكرنى حادث قرأته فى الصحف بشىء مستقر فى أعماقى .. ويخيل إلىّ أنى نسيته .. ولكن نشره فى الصحف يحركه ..

فعندما نشر حادث " الخط " تذكرت على الفور رجلاً فى قرية مجاورة لقريتى .. كنت ألتقى به كل مساء وأنا أتمشى على الجسر .. وكان الرجل مشهورًا فى المنطقة كرجل ليل ليس له من ضريب .. وكان أبرع من يصوب فى فحمة الليل ويصيب الهدف على بعد أميال .. لأن عينيه تخترقان حجب الظلام بشكل خارق .

وقد التقيت بهذا الرجل بعد أن قضى مدة العقوبة .. وتاب وأناب .. فوجدته قصيرا نحيفا ، خافت الصوت .. هادئ الطبع .. لا ينبئ ملامحه عن إجرام أو شر .. ولم يبق فيه إلا عينان حادتان متوهجتان كعينى الصقر .. وقلب شجاع لا يهاب الموت .

تذكرت هذا الرجل بعد أن قرأت حوادث "الخط" وأخذت أكون على مهل قصة "الشيخ عمران" .

وكتبت القصة فى مقهى " سفنكس" بشارع طلعت حرب .. ولما فرغت من كتابتها ، فكرت فى نسخها على الآلة الكاتبة لأن خطى ردىء للغاية ، وغلط المطبعة يشوه القصة تماما مهما كانت براعة الكاتب فى التصوير والسرد .

ومر أمامى فى لحظة التفكير هذه الأستاذ عاشور عليش ، وكنت قد عرفته بعد نشر كتابى "فندق الدانوب " وتوطدت بيننا صداقة قوية .. فسلم وجلس وقرأ القصة وأعجب بها .
ولما حدثته عن كتابتها على الآلة الكاتبة ..

قال على الفور .. فى شهامة ..
ــ خطى أحسن من الماكينة .. فهيا وأملى ..
وهو سريع الحركة .. وأخرجنا الورق وجلس يكتب بخطه الجميل حتى دخل علينا الليل ونحن على "القهوة" دون طعام أو شراب .. نسينا ذلك واستغرقتنا القصة حتى انتهينا من كتابتها .. ومزقنا المسودة التى كنت أملى منها .. وطوينا الورق والصحف .. وسرنا إلى مكان نأكل فيه ..

وفى المطعم ، وضعت الأوراق والمجلات التى أحملها فوق كرسى .. فسقطت مجلة وتكشفت الأوراق .. فنظرت فيها فلم أجد القصة ، فشعرت على التو بخنجر يمزق قلبى ، واسودت عيناى من الحزن .. وخرجنا من المطعم دون أن نأكل ، نبحث فى الشوارع التى سرنا فيها عن القصة .. وقلبى بعد كل خطوة يزداد غما وكربا ..

شعرت بأن كنزا من كنوز الدنيا فقد منى فى لحظة نحس .. لا يد لى فيها.. وما كتبته لا أستطيع أن أعيد كتابة سطر واحد منه .. فالحالة النفسية للكاتب لها الاعتبار الأول فيما يكتب .

وظللنا نحدق على الأرصفة بعيون مفتوحة ، كأننا نبحث عن جنيهات من الذهب قد سقطت منا .. حتى وصلنا إلى "القهوة" وهناك وجدنا "القصة" تحت المنضدة التى كنا نجلس إليها .. وشعرت بفرحة لم أشعر بمثلها فى حياتى ..
وأعطيت القصة للأستاذ محمد على غريب رحمه الله فنشرها فى أخبار اليوم " .

ليست هناك تعليقات: